Thursday, June 25, 2015

حق السؤال


حين يطرأ سؤال علي الذهن .. ينم في الغالب عن فكر يعتمل في العقل يبحث عن شاطئ يرسو عليه ... ولولا السؤال لما تعلم أحد شيئا.
في الغالب تجد الطالب كثير السؤال هو الطالب النابغ ... لأنه يعلم بالفعل الكثير .. مايدعوه للبحث أكثر والسؤال أكثر وأكثر ..
وتجد المدرس النابغ يفرح لوجود مثل هذا الطالب .. ويستشعر بوجوده ثمرة مجهوده وتعبه .
في حين تجد أغلب المدرسين يضيقون ذرعا بهذا الطالب كثير السؤال..ولو عرفوا لسؤاله جوابا لما ضاقوا به ذرعا .. ولكن تجدهم يعنفونه .. يوبخونه .. يلقونه بالاتهامات مثل (انت مش فاهم حاجه .. انت مش بتفهم .. انت بتسأل عشان تتمنظر..) الي اخره من الاتهامات الجاهزة التي إن دلت فإنما تدل علي عجز الأستاذ عن إجابة السؤال لقصور فيه.


في ديننا الحنيف نجد التشجيع علي السؤال للحث علي الفهم .. ونجد معلم الأمة ومرشدها .. رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضيق ذرعا بسؤال قط!
نجد القرءان يخبره   (ويسألونك ... قل .... )(يسألونك ... قل...)(وإذا سألك ....)والسؤال وجد في القرءان في اكثر من موضع ولا اعلم موضعا تم فيه توبيخ السائل على سؤاله .. والسؤال يختلف عن المراء والجدال وما الي ذلك مما ذمه القرءان.
حتي في الأسئلة التي لم يجب عنها القرءان .. لا تجد توبيخا .. بل تجد تعديلا لمسار الفكر، وتحديا للبشر إلي قيام الساعة بهذا السر (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
بل في قصة سيدنا موسى تجد الصعوبة البالغة في التوقف عن السؤال حتى مع من هو في قدر موسى عليه السلام.
وما كان النهي عن سؤال موسى عليه السلام لخطأ في السؤال .
لا تجد توبيخا على سؤال .. ولكن تجد توبيخا علي إجابة خاطئة ..( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ).
و سيرة النبي ﷺ ... تجدها مليئة بالسؤال .. ولولا سؤال الصحابة لما وصل لنا الدين كاملا ..
فتجدهم يسألون في كل شيء.. حتي الكفار كانوا يسألون في كل شيء...
 يأتي أحد الصحابة رضوان الله عليهم إلى النبي ﷺ  يوم بدر وهو الحباب بن المنذر بن الجموح يسأل في هذا الوقت العصيب : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال ﷺ : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل...
كلنا نعلم هذه القصة .. وقليل منا يطبقها...
وحين عارض عمر بن الخطاب  رسول الله في صلح الحديبية 
وقال له : ألست نبي الله حقًا ؟ قال : بلى قال : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ 
قال : بلى قال : فلم نعط الدنية في ديننا ؟ 
قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري 
قال الحافظ ابن حجر في فوائد هذه المعارضة :
ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى 
وقال أيضًا :
وفي الحديث أيضًا فضل الاستشارة لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الأتباع 
وقال أبو علي عمرو السكوني :
وهذا السؤال من عمر  على أحد وجهين :
الأول :
إما أن يكون طالبًا للجواب عما استشكل من غير ريب كطالب دفع الشبهة من غير ريب في العقل لأنه من المشهود لهم بالصدق 
الثاني :
أن لا يكون مستشكلاً بل أقام نفسه سترًا جميلا ً لمن خلفه ممن يتقى عليه الريب فسأل ليسمع غيره الجواب <اهـ.>
ونهيُ النبي عن السؤال في حديث («دعوني ما تركتكم , إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم, فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه, وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»)كان رحمة بالأمة وليس عيبا في السؤال .. وكما جاء في شرح الحديث في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (فالرسول كان رؤوفا رحيما بالأمة, ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما, وكان يكره أن يسأله أصحابه عن شيء لم يحرم فيحرم, وقد قالكما في حديث مسلم-: «إن من أشد الناس جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته».
وهذا ترهيب أن يُسأل عليه الصلاة والسلام عن شيء لم يحرم ولم يقع فيحرمه من أجل المسألة، وهذا الأمر - كما تعلمون - قد انتهى بوفاة النبي ، إذ بوفاته اكتمل الشرع، وكملت الفرائض, واكتملت الأحكام الشرعية، وشرعت الحدود.)<اهـ.>

الغريب أننا نجد بعض دعاة اليوم يضيق ذرعا بالسؤال... ويكمم الأفواه عن السؤال .. ولكنه غفل عن أنه حتى وإن نجح في تكميم الفم .. لن يستطيع تكميم العقل والفكر.. 

فتجد هذه الأسئلة التي ضاق بعض الدعاة بها ذرعا تعتمل في عقل السائل دون أن يجرؤ علي السؤال حتى تودي به والعياذ بالله الي موارد الهلاك ..
و ظاهرة الإلحاد في جزء منها هي تعامل خاطئ مع مثل هذه الأسئلة أدى بالنهاية إلى ما نراه.


يا رعاك الله ... لا ترد سائلا ... وإن لم تعرف لسؤاله جوابا فابحث له عمن يعرف ..

Friday, June 6, 2014

أهل الحق



علي صفحة احد الأصدقاء، دار بيني وبين احد البرهاميين حوار كان هذا ملخصه...

هو: مرسي والاخوان استعدوا الجميع .. الجيش والشرطة والقضاء وذكر ادلة (من اكاذيب الانقلابيين التي رددها عبفتاح علي مسامعنا طوال الفترة الماضية)..

فكان تعليقي:(وفي كل عصر حضرتك في ناس بتطلع تقول كده .. 
ده حتي لما نابليون دخل مصر كان هناك من اصحاب اللحي علي الوجوه يدعوا المسلمين لتأييد نابليون لانه الحاكم المتغلب وانه راجل طيب واسلم وما الي هذا ..
اللي عايز يقنع نفسه بحاجة اؤكد لك انه يقدر يقنع نفسه بيها ...) ثم سألته (يعني افهم من كلامك ده ان السيسي كويس وجيشنا عظيم وقضاءنا شامخ ؟!)

فجاء الرد:(اللى انتا بتقولو ع أصحاب اللحى عن نابليون دا كلام فاضى شكلا وموضوعا...وانتا معندكش دليل عليه
ودا والله فيه عداء للسنة وانتو ما واخدين بالكم....اشمعنا قلت أصحاب لحى؟ وكانك مشكلتك مع اللحية ....يعنى لو واحد حالق لحيته وبيقول ع نابليون حاكم متغلب دا اوكيه معاك؟
دا لو فرضنا أصلا إن دا حصل .....أومال مين اللى كان بيقاومه من يوم ما دخل؟
مهما المصريين اللى كان فيه منهم ملتحى وفيه منهم مش ملتحى 
دى نقطة تكفى إنها تفصل اللى قدامك من إنه يكمل معاك لو هتكمل كدا)

وهنا تكمن الفكرة .. الفكرة التي تجعلهم متمسكين بالبابا الأكبر لهم (البرهامي) .. الفكرة التي تطمس عين كل من يتبناها عن رؤية الحقيقة ..
الفكرة التي تجعل من البرهامي الأكبر شخصا لا يخطئ حتي ولو تبين للجميع كذبه وتدليسه في أكثر من موضع.

الفكرة هي انهم هم (السنة) وأن من يمسهم يمس (السنة) .. هم الحق الذي لا باطل فيه .. بل الذي لا حق غيره ..

أتذكر هنا احدهم حين كنت احدثه فقال لي (نحن أهل السنة والجماعة، ومن دوننا هم أحد أمرين .. ما جاهل فيعذر بحهله .. أو مبتدع فينبغي محاربته)

ومثل هذه الفكرة حين تسيطر علي عقل صاحبها تحجب عنه كل نور ..

ليس هذا فحسب .. بل وتصنع له (قدسية) وتجعل من مهاجمته مهاجمة للسنة (في عقله المريض) !

بغض النظر أننا هنا نتحدث عن أمر من السنن الظاهرية .. وهناك من أمور الدين ما هو اولي بالاهتمام كنصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم (ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)

هل حقا من يهاجم اصحاب اللحي يهاجم السنة ؟ 
هل التفاضل عنده الله باللحية؟ ام بالتقوي والعمل الصالح؟

هل في حديث النبي صلي الله عليه وسلم من حديث ابي هريرة حين قال(  حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي صلى الله عليه وسلم قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تبارك وتعالى له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذاك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة له كذبت ويقول الله بل إنما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتي فقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة.) هل في هذا الحديث هجوم علي قراء القرءان او المجاهدين في سبيل الله او المنفقين .. أم انه واحد من أحاديث كثيرة تربي المجتمع المسلم علي أن الاهتمام الحقيقي يكون بالنيات وليس بالظاهر (مع عدم اغفال الظاهر بالطبع، ولكن بدون تقديسه).. 

هل حين قال عمر بن الخطاب لهذا الرجل الذي جاءه وقال له إن فلانا رجل صدق فقال (له هل سافرت معه ؟ قال : لا . قال : فهل كانت بينك وبينه معاملة ؟ قال : لا . قال فهل ائتمنتَه على شيء ؟
قال : لا . قال : فأنت الذي لا علم لك به أُراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد ) هل كان حينها يهاجم أهل المساجد ؟
أم انه كان يؤكد القاعدة التي تعلمها ممن علمه .. من النبي صلي الله عليه وسلم .. أنه من كان ظاهره يوافق الشرع .. وأفعاله تخالفه .. فظاهره لا يغني عنه شيئا، بل وهي دعوة للأمة ألا تنخدع بالظواهر حتي ولو كانت الظواهر الدينية...

من كان يظن انه بعمل ظاهر (أو باطن) قد صار يمثل الإسلام ينبغي عليه ان يفكر مرات ومرات .. 

أذكره ونفسي بقول الله تعالي (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
ينبغي ألا تظن يوما ما أنك الحق المطلق .. بل ينبغي أن تعيد النظر فيما تفعله دوما من باب المراجعة..حتي لا تسقط في هاوية الكبر والضلال

هدانا الله وإياهم الي الحق .. 
اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم ... اللهم عليك بمن تآمر علي المسلمين من أصحاب الأموال وأصحاب المناصب وأصحاب القوة وأصحاب اللحي وغيرهم ..

والحمد لله رب العالمين